Monday, April 21, 2008

Wazifah Hadis Dhaif


"وظيفة الحديث الضعيف فى الاسلام و أقوال كبار أئمة السلف والخلف فيه ."
(لفضيلة الاستاذ الامام السيد محمد زكى ابراهيم رائد العشيرة المحمدية)

(1) ثناء:
ان الحمد لله تبارك وتعالى , وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله المصطفى , ورضى الله عن آله وصحابته وتابعيهم ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا , ونستفتح بالذى هو خير .

(2) تمهيد:
وبعد : فمن البدع المستهجنة التى تجرى بكل بساطة على ألسنة كثير من المغرمين بالانتساب الى السنة والتوحيد والتجديد مجازفتهم بالقول بضعف الحديث على معنى أنه باطل مكذوب , ويعتبر العمل به رجسا وفسقا , أو على الأقل جهلا وتجاوزا .

وليس كذلك العلم ؛ فان للحديث الضعيف مجالا شرعيا يدور فيه , وله وظيفة أساسية فى دين الله , ومن ظلم العلم والدين أن يؤخذ الحديث الضعيف بحكم الحديث المكذوب , ذلك أن الحديث الضعيف حديث أصيل , لكن لم تستكمل فيه شروط الصحة , أى : أن فيه جانبا من الصحة , ومن بعض شروط ما يتوقف عليه قبول الحديث , لكنها غير كاملة , ولهذا عدّه العلماء من قسم المقبول , خصوصا فى فضائل الأعمال , أو فى غير الأحكام ؛ فهو ليس من قسم المرفوض على أى حال , ولهذا استحب بعض العلماء العمل به فى موعضعه , وقد رفعوه الى درجة ( الحسن) بشرطه المقررة . وأنا اعلم أن هذا الكلام لن يرضى بعض الناس , ولكن ارضاء الحق متعين , ولو غضب كل الناس .

وقطعا للشبهة التى لا يزال يثيرها بعضهم حول الحديث ( الضعيف) , وتصويره أمام العامة وأشباههم فى صورة الحديث المكذوب , المدمر للكتاب والسنة , واستخدامهم ذلك لتقويض صرح الجانب الربانى والروحى فى الاسلام , نقدم هنا ملخصا علّميا : لأحكام الحديث ( الضعيف ) , حتى لا تنطلق حناجر وأقلام , لا تعيش الا فى مثارات الفتن , وظلمات الفرقة , واشاعة الاضطراب والبلبلة فى العقائد والأحكام , حفاظا على موارد رزقهم المشبوة , وولائهم لغير وطنهم , وعمالتهم المفضوحة تحت اسم التوحيد والسنة , وما يتخذونه ( تقية ) من أقوال وأعمال , لم تعد تنطلى على العارفين ببواطن الأمور , واليك هذا الملخص العلمى :

(3) الكتاب الصحاح كثيرة :
ان الأحاديث الصحاح ليست هى وحدها ما جمعها كتاب الامام البخارى , أو الامام مسلم فقط , ولا أعرف فى دين الله نصا ولا اشارة تدل على حصر الصحيح فيهما بالتحديد ؛ فالتحدى بهما نوع من العصبية والايهام بالعلم : بلا علم.

جاء فى ( هدى الأبرار على طلعة الأنوار ) للشنقيطى , و فى ( اضاءة الحالك) لللامام ابن الحاج العلوى , و فى ( الجامع) لصفى الدين الهندى , وما حرره صاحب ( المنهل اللطيف ) , و غيره ما جملته : ان الكتب التى كل ما يعزى اليها صحيح باتفاق جمهور المحدثين – الاّ أحرفا يسيرة انتقدها بعض العلماء- هى :
1) صحيح البخارى ( الجامع الصحيح) .
2) صحيح مسلم .
3) المنتقى لابن الجارود ( الا ما أرسله ).
4) صحيح ابن خزيمة .
5) صحيح ابى عوانة .
6) صحيح ابن السكن .
7) صحيح ابن حبان.
8) مستدراك الحاكم (بعد استظهار الذهبى والعراقى) , وان كان فى استظهار الذهبى اغراق وتشدد واضح , وأضاف بعضهم ( مسند احمد ), و هو ما نراه أيضا , وموطأ مالك على الأحق , ثم ( المستخرجات ), وهى معروفة للعلماء .

فهذه الكتب المعروفة للعلماء, ليس فيها الا (( الصحيح )) , بوجه ما , علميا وفنيا , أمّا ما عدا هذه الكتب , ففيها الصحيح , والحسن , والضعيف , وربما الموضوع ايضا.
والقاعدة : (( ألا يقدّم أحد على البخارى في العزو , وان كان الحديث فيه وفي مسلم ساقوا لفظ مسلم لمبالغته فى تحرى اللفظ النبوى))
فالتحدى بلزوم ما جاء فى البخارى ومسلم وحدهما , على أن الصحيح ما فيهما فقط , ليس من العلم , ولا من الدين .

(4) أقسام الحديث :
واتفق أهل هذا العلم على أن أهم أقسام الحديث ثلاثة :
ا) الحديث الصحيح , وهو أعلاها .
ب) الحديث الحسن , وهو أوسطها.
ت) الحديث الضعيف, وهو أدناها ؛ لأنه قد اختل فيه شرط من شروط (( الحسن )) , ففيه صحة لا محالة .

أمّا الحديث الموضوع (( المكذوب )) , فهو خارج عن الدائرة التى نتحدث فيها الآن ؛ لأنه رجس ساقط بالحكم , وبالذات : قولا واحدا من حيث المتن , أو السند , أو كليهما.



(5) أقسام الضعيف :
والضعيف قسمان:
القسم الأول : ما ينجبر ضعفه اتفاقا , لاعتضاده بالشهرة أو بوروده من طرق أخرى أو اذا ساندته شواهد مقبولة , خصوصا اذا كان الراوى ضعيف الحفظ , أو كان الضعف للارسال , أو الستر, فيرتفع الى درجة (( الحسن لغيره )) , ويكون من جملة المقبول ويحتج به , حتى فى الأحكام , كما هو مقرر عند علماء هذا الفن . ولا نظر الى أدعياء هذا العلم , والمتطفلين عليه , والفضوليين فيه , ولا المتعالمين الذين علموا شيئا وغابت عنهم أشياء , فهم يتخذون أسلوب الحماقة والتشدد لتشويه الحقائق , والدعاية لأنفسهم والتربح بشذوذهم.

القسم الثانى من الضعيف : ما لا ينجبر ضعفه , وان كثرت طرقه , وهو ((الواهى)) , وذلك اذا كان الراوى فاسقا , أو متهما بالكذب.
قال علماؤنا : ان مثل هذا الحديث اذا اعتضد بغيره , وكانت له شواهد ومتابعات أخرى فانه يرتقى من رتبة الحديث ( المنكر , والواهى,أو ما لا أصل له ) الى رتبة أعلى وعندئذ يجوز العمل به فى فضائل الأعمال ,أى فيما عدا :
ا- العقائد
ب-الأحكام
وأضاف بعضهم :
ت- التفسير أيضا. تقديما للحديث عن الرأى المطلق , وفيه نظر ,

فيجوز اذن اعتبار الحديث الضعيف فى كافة أنواع الترغيب والترهيب , والرقائق , والآداب , والتواريخ والمناقب , والمغازى , ونحوها.
وهو ما نقل الاجماع عليه الامام النووى , وابن عبد البر , وغيرهما ؛ بل نقل النووى استحباب العمل به , (( والاستحباب من جملة أصول الدين وأحكام الشرع الشريف )) فتأمل!!.

قلنا : ولكن بشروط :

ا- ألاّ يشتد ضعفه , فيخرج ما ينفرد به أحد الكذّابين , أو من فحش غلطة.

ب- أو أن يكون أساسا مندرجا تحت عموم قاعدة شرعية كلية , فيخرج ماليس له أصل يندرج تحته , بل هو أمر ابتدائى.

ت- ألا يعارضه حديث صحيح , فيخرج ما وجد فى بابه ما يدفعه مما صح وثبت , وهو رأى ابن حجر , والسخوى , وغيرهما . من أئمة هذا العام الشريف.

(6) مزيد من البيان :
روى أبو الشيخ ابن حبان فى كتاب (( النوائب )) عن جابر – رضى اللّه عنه – مرفوعا :
(( من بلغه عن اللّه عز وجل شيء فيه فضيلة , فأخذ به ايمانا به , ورجاء لثوابه , أعطاه اللّه ذلك , وان لم يكن كذلك )).
وهذا الحديث أصل كبير فى أحكام الحديث الضعيف لأنه لا يمكن أن يكون صادرا عن رأى , بلا سماع , بل هو دليل على أن للحديث الضعيف أصلا ووظيفة ايجابية .

وقد نقلوا عن الامام أحمد أنه كان يأخذ فى الأحكام بالحديث الضعيف – اذا جبر بالشهرة – كما كان يقدم الحديث الضعيف على الرأى , وكان يأخذ بالضعيف فى
الرقائق والفضائل وكذلك غيره من علماء أجلاء كابن المبارك , والعنبرى , وسفيان الثورى , ومن والاهم , رضى اللّه عنهم .
وكذلك الحنفية يقدمون الحديث الضعيف على الرأى , كما نقله الزركشي , وابن حزم, وغيرهما , أى أن للضعيف اعتبارا ذاتيا , وحركة علمية شرعية , لتوفر بعض شروط الصحة فيه , فوضع الضعيف فى موضع المكذوب خطيئة علمية موبقة.

ومذهب أبى داود هو مذهب الحنفية والحنابلة فى تفضيل الحديث الضعيف على الرأى
اذا لم يكن فى الباب غيره . ولم يخالف فى الاجماع على العمل بالضعيف الا أبو بكر ابن العربى , على ما نقله ابن الصلاح , ولمخالفته هذه وجوه يردّ عليه منها , أو يحمل قوله عليها , فلا تعارض بينه وبين الاجماع , بجواز واستحسان العمل بالضعيف فى موضعه .

(7) الصحيحان والضعيف والمضعّف :
وهناك قسم من الحديث يقال له : المضعّف , وهو الذى ضعف رجاله قوم ووثقهم آخرون , وهذا القسم من الأحاديث يقع بين الصحيح والضعيف , أى أنه دون الصحيح , وفوق الضعيف , فهو أخو الحسن , أو هو نوع عال منه , ولهذا أجازوا دخوله
الكتب الصحيحة التى ذكرناها من قبل. وانما تذكر الأحاديث المضعفة فى الصحاح على سبيل المتابعة والاستشهاد , أو علو الاسناد فى الأعم الأغلب .

وقد انفرد البخارى بالاخراج – دون مسلم – لأربعمائة وبضعة وثمانين رجلا , تكلّم بالضعف فى ثمانين منهم , وأمّا زجال مسلم ؛ فستمائة وعشرون رجلا , تكلم بالضعف فى مائة وستين منهم , وكل هؤلاء وثقهم آخرون كثيرون ؛ فما هو رأى أصحاب الدعاوى والدعايات فى ذلك كله ؟!.

قال ابن الصلاح : (( يقطع بصحة ما أسنداه ( البخارى ومسلم ) أو أحدهما , سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد , لا كلهم )) .
قلنا : فهذه الأحرف من قسم (( المضعّف)) الذى يجوز دخوله الكتب الصحاح , بلا معابة كما بينا .

ثم : ان الحكم على الحديث بالصحة , أو الحسن , أو الضعيف , انما هو لظاهر الاسناد ,لا لما هو فى نفس الأمر , فنفس الأمر هو اليقين المطلق الذى لا يعلمه الا اللّه وحده , ولذلك قالوا : (( كم من حديث صحيح هو فى نفس الأمر ضعيف , وكم من حديث ضعيف هو فى نفس الأمر صحيح , وانما علينا التحرى والاجتهاد )) , قالوا : لأنه يجوز الخطأ والنسيان على العدل الصدوق , كما يجوز على غيره , فاليقين هنا اعتبارى محض.

ورواية (( العدل )) عن (( الضعيف )) تعديل له عند الأصوليين . قال صاحب (( منهل )) : " وقياسه أنه تصحيح له أيضا عندهم " .

(8) السادة الصوفية والحديث الضعيف :
ولعل اخواننا من الكتاب والمرشدين بعد هذا يتورعون عن حمل المجازفة باطلاق حكم الضعف على ما لم يوافقهم من الحديث , يريدون بذلك أنه (( موضوع , مكذوب , مفترى )) لا ينبغى الانتفاع به , ولا احترامه , ولا تناقله , ولا الاستئناس بلفظه , ولا معناه , وأنكر المنكر ألا تخف أزمة هؤلاء الأخوة الاّ حين يتهمون الصوفية بالاقتصار على الأخذ بالضعيف , حتى فى المقامات التى أخمع على استحبابها علماء الحديث والأصوليين فى المشارق والمغارب , علما بأن من كبار علماء الحديث وأئمته عدد كبير من الصوفية الراشدين , كما هو مسجل فى اثباتهم , وأسنادهم , ومروياتهم , ولا يزال يحتج بهم المرضى بداء الحديث الضعيف .


قال ابن عبد البر : (( أحاديث الفضائل لا تحتاج فيها الى من يحتج به ))

ولفظ ابن مهدى فى (( المدخل الى كتاب الاكليل )) لأبى عبداللّه الحاكم (ص 29 ) :
(( اذا روّينا عن النبى _ صلى اللّه عليه وسلم _ فى الحلال , والحرام , والأحكام , شددنا فى الأسانيد , وانتقدنا الرجال , واذا روّينا فى الفضائل , والثواب , والعقاب , تساهلنا فى الأسانيد , وتسامحنا فى الرجال )) .

ويقول المام الرملى : (( الأحاديث الشديدة الضعف ( يعنى الواهية ) اذا انضم بعضها الى بعض , يحتج بها فى هذا الباب ( يعنى : الفضائل , والرقائق , والمواعظ , والمناقب, والتواريخ ,ونحوها ) , وبهذا أخذ ( المنذرى ) فى الترغيب والترهيب, وسائرالمحققين.

وهذا الذى أخذ به سلف المتخصصين فى علم الحديث هو ما أخذ به الفقهاء والصوفية , وبه نأخذ ؛ فكثيرا ما نجد فى متن الحديث الضعيف حكما , ومعارف , ودقائق , وآداب تحمل كلها روائح النبوة , والحكمة ضالة المؤمن .

وهذا ما جاء عن السلف كما قدمنا كالثورى , وابن الصلاح , وابن عيينة , وابن حنبل , وابن المبارك , وابن مهدى , وابن معين , والنووى , وابن عبد البر , وبوب له ابن عدى فى ((الكامل)), والخطيب فى (( الكفاية )) وابن أبى حاتم فى مقدمة ((الجرح والتعديل)) والبيهقى فى المدخل الصغير .

(9) خاتمة :
وبعد : وفى عصرنا هذا رأينا ( مع الألم الشديد ) من يرفض أحاديث البخارى , لأنها لا تتفق مع مفهومه , ولا تتناسب مع مزاجه باسم الانتصار للسنة , بل رأينا من ألف فى هذا الباب , وليس هو من أهله على الاطلاق وقد وجد أعداء الاسلام من يعينه على طباعة كتابه هذا , وتوزيعه بالمجان فى كل مكان , رغم ضخامة تكاليفه , التى تنادى بالعمالة ,
وسوء النية , واكتساح بقايا الحق الصريح .

ولولا لطف اللّه , ووقفة ( مجلة المسلم ) وبعض علماء الحديث , لدخل الشك بمثل هذا الكتاب , وادعياء ( التوهيد والسنة ) فى كل ما روى البخارى ومسلم وبقية الصحاح , فضلا عن غيرهم , ولأشرفت السنة الشريفة الثابتة علميا على فتنة ( كاسحة ) وقانا اللّه اياها , من جانب أدعياء السلفية , ومحتكرى العلم بها دون خلق اللّه , وقد كفّروا الناس , وحكموا عليهم بالشرك والفسوق الا من اتبع هواهم الذليل .

هذا : وقد خرج النسائى فى ( السنن الصغرى والكبرى ) لكل من لم يجمع على تركه , أى من لا يروى الحديث الا من جهته , ما لم يكن كاذبا.

وليس فيما وقع لنا مما يرويه السادة الصوفية والدعاة الى اللّه سند فيه رجل كذاب أو وضاع , وكفى بهذا دليلا على جواز العمل بالضعيف فى موضعه , وموقف السادة الصوفية , وما جاء فى كتبهم منه .


ونستغفراللّه ونتوب اليه , وهو الموقف المستعان . وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه المفتقر اليه تعالى وحد.
محمد زكى ابراهيم

رائد العشيرة المحمدية وشيخ الطريقة الشاذلية






بسم اللّه الرحمن الرحيم

فوائد علمية متناثرة

حول الحديث الضعيف وأحكامه

الحمدللّه , والصلاة والسلام على رسوللّه , وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فهذه فوائد علمية , وفنية , وأصولية متناثرة حول الحديث الضعيف وأحكامه جمعتها لتكون ذيلا على رسالة شيخنا الامام الرائد (( وظيفة الحديث الضعيف )) , وهى رسالة فريدة فى بابها , جرى فيها شيخنا – رضى اللّه عنه – على طريقته السهلة الموجزة المفيدة فى غير فضل كلام , أو تكثير أوراق , وهذه الفوائد المتناثرة تتعلق ب(( وظيفة الحديث الضعيف )) بوجوه تعلق , فأقول وباللّه التوفيق :

1) متى يرتقى الضعيف للحسن ؟
اذا روى الحديث من وجوه كلها ضعيفة , لا يلزم أن يحصل من مجموعها (حسن) , فالضعيف عند المحققين نوعان :

الأول : ما ينجبر بغيره , ويحتج به فى الفضائل .. ونحوها , وهو ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين , أو ما كان ضعفه لارسال , أو تدليس , أو جهالة رجال , وهو ما قال المحدثون فيه : اسناده محتمل للتحسين , أو قريب من الحسن , أو فى اسناده لين , أو ضعف , ثم : اسناده ضعيف , ثم : فى اسناده مجهول , أو مستور , ثم : ليس فى اسناده متروك , أو من يترك , أو من أجمع على ضعفه ؛ فان هذا الضعيف ينجبر ضعفه بغيره – اذا لم يكن أقل منه رتبه – ويزول ضعفه بمجيئه من طرق أخرى تساويه أو أعلى منه درجة .
الثاني : ما لا ينجبر بغيره , ولا يحتج به مطلقا , لا فى الفضائل , ولا فى غيرها , ومنه الواهى والمنكر , وهو ما كان ضعفه لفسق الراوى , أو كذبه , وهو ما قال المحدثون فيه : اسناده واه أو ضعيف جدّا , أو ساقط , أو هالك , أو مظلم , وهذا لا يؤثر فيه موافقة غيره , خصوصا اذا كان مثله ؛ لقوة الضعف , وتقاعد هذا الجابر , نعم يرتقى بمجموع طرقه عن كونه منكرا , أو لا أصل له , ولا تجوز روايته الا مع بيان حاله .

2) اجماع العلماء قبول للحديث وان لم يصح :
ما تلقاه العلماء بالقبول من الحديث فهو مقبول , وان لم تتوفر فيه شروط الصحة , لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة . قال ابن عبد البر فى الاستذكار : لما حكى عن الترمذى أن البخارى صحح حديث البحر (( هو الطهور ماؤه )) , وأهل الحديث لا يصححون مثل اسناده , لكن الحديث عندى صحيح , لأن العلماء تلقوه بالقبول .

وقال فى التمهيد :
روى جابر عن النبى _ صلى اللّه عليه وسلم _ (( الدينار أربعة وعشرون قيراطا )) قال : وفى قول جماعة العلماء : واجماع الناس على معناه غنى عن الاسناد فيه .

وقال الأستاذ الاسفرانى - ((تعرف صحة الحديث اذا اشتهر عند أئمة الحديث , بغير نكير منهم)) . وقال بعض العلماء (( يحكم للحديث بالصحة اذا تلقاه الناس بالقبول , وان لم يكن اسناده صحيح)) .

3) العمل بالضعيف حتى فى الأحكام :
استدل العلماء بالحديث الضعيف – غير شديد الضعف – حتى فى الأحكام , معتبرين ضعفه , خصوصا اذا لم يكن فى الباب غيره , والأمثلة على ذلك كثيرة منها أحاديث مكان وضع اليد اليمنى على اليسرى فى الصلاة ؛ فهى أحاديث ضعيفة , ولم يصح فى هذا الباب حديث واحد , وأصح ما فيه حديث وائل فى وضعها على الصدر , وليس عليه العمل , ذكره الشوكاني وغيره .

وتجد مثل ذلك كثيرا فى (( منتقى الأخبار )) للمجد ابن تيمية وشرحه (( نيل الأوطار )) للشوكانى و (( تخريج أحاديث الهداية )) للحافظ الزيلعى (( والتلخيص الحبير )) لابن حجر و (( بلوغ المرام )) له , وشرحه (( سبل السلام )) للصنعاني, وفى (( الموطأ )) المراسيل والبلاغات وفى كتب السنن فى أبواب الأحكام من الضعيف تجد عددا غير قليل .

قال الحافظ أبو الفضل عبداللّه بن الصديق الغمارى رحمه اللّه : (( وقولهم : الحديث الضعيف لا يعمل به فى الأحكام ليس على اطلاقه , كما يفهمه غالب الناس أو كلهم : لأنك اذا نظرت فى أحاديث الأحكام التى أخذ بها الأئمة المجتمعين ومنفردين وجدت فيها من الضعيف ما لعله يبلغ نضفها أو يزيد , وجدت فيها المنكر والساقط , القريب من الموضوع , كما أشار الى ذلك شقيقنا العلامة الحافظ السيد أحمد فى كتاب (( المثنونى والبتار )) – فليراجع - ؛ بل مما أصّله مالك وأبو حنيفة الاحتجاج بالمرسل , ومن أصول الامام أحمد وتلميذه أبى داود الاحتجاج بالحديث الضعيف , وتقديمه على الرأى والقياس , وقدمه أبو حنيفة ايضا , كما نقله ابن حزم عنه , وفى مكتبتنا نسخة خطية من كتاب (( المعيار )) ذكر فى كل باب منه الأحاديث الضعيفة التى أخذ بما الأئمة الأربعة على الاجتماع والانفراد .

اذا تقرر هذا فلا يهولنك تهويش هذه الطائفة المتهوسة بأن الحديث الضعيف لا تقوم به الحجة لما علمت من عمل الأئمة به , والعجب أن هذه الطائفة نفسها تعمل به اذا وافق مرادها , وتقدمه على الحديث الصحيح , كما يعلم من الوقوف على ما يستدلون به لبدعهم ونزعاتهم , وهذا تلاعب يوجب المقت )) ا. ه


4) الاجماع على العمل بالضعيف لا يضره المخالفة والشذوذ :
لم يخالف الاجماع فى العمل بالضعيف فى الفضائل الا القاضى أبو بكر العربى , وكما ذكر شيخنا فى رسالته : (( له وجوه يرد عليه منها , ويحمل كلامه عليها ... ويكفى انه انفرد بهذا القول لئلا يحتج به .

أما نسبة ذلك الى البخارى ومسلم فأمر عجيب من بعض كتبة زماننا من المحترفين , ذلك أن البخارى فى الأدب المفرد والتاريخ لم يشترط ترك الضعيف , ففيهما من ذلك شيء ما ساقه الا ليحث الناس على العمل به , ثم ان البخارى – رحمه اللّه – أورد ما دون شرطه فى جامعه الصحيح – وبعضه ضعيف – تعليقا أو ترجمة , وذلك دليل على أخذه به , وانما لم يورده فى أصل صحيحه لمخالفته شرطه .

وأما مسلم فان النووى شارحه هو الذى حكى الاجماع على العمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال , وهو أعلم بمسلم وصحيحه من هؤلاء , وأما قول جماعة من متسلفى عصرنا يذلك؛ فلا يضر الاجماع لقصورهم , ولمخالفتهم الذى عليه العمل, ثم ان أكثرهم ليسوا من فرسان هذا ميدان .

5) رواية الحديث الضعيف ؟
يجب بيان حال الحديث الضعيف حال روايته , أو أن يذكر باحدى صيغ التضعيف كيروى , محافظة على الفرق بين الصحيح الثابت والضعيف الذى لم تكتمل فيه شروط الصحة .

6) القدماء والحديث الضعيف :
فى كثير من كتب القدماء يذكر الحديث باسناده , دون بيان درجته , وذلك استنادا الى قاعدة (( من أسند فقد أحالك , ومن لم يسند فقد تكفل لك )) لذا لزم التنويه .
7) من علامات النبوة :
الى هؤلاء الذين يتوركون على السنة النبوية بأوهى الأسباب , وتصيبهم حمّى العصبية عند سماع ما يخالف أهواءهم من الحديث النبوى : اليهم قول الرسول – صلى اللّه عليه وسلم – (( لا ألفينّ أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به , أو نهيت عنه فيقول : لا ندرى ما وجدنا فى كتاب اللّه اتبعناه )) رواه ابو داود والترمذى وصححه

8) الايهام والتدليس فى بيان درجة الحديث :
ومما اعتاده بعضهم من الايهام والتدليس فى بيان درجة الحديث قوله (( ليس بصحيح)) يعنى (( حسن أو ضعيف )) الا أن سياقه هذا يوهم العامة بأنه موضوع , وليس فى كتب الحديث هذا المصطلح الحديث , وقد أكثر متسلفوا عصرنا من كتابته فى مجلاتهم ايهاما وتدليس .

ولزم أن يعرف أنه اذا كان يوجد فى بعض كتب المتقدمين نحو هذا المصطلح كقولهم : لم يصح فى هذا الباب حديث , يعنون وجود الحسن والضعيف فيه ؛ فانما كان هذا لأنهم يحدثون العلماء , أو لأنهم فى وقت كان أكثر الناس فيه على دراية بمصطلحات هذا العلم .

9) ويقوضون السنة بزعم تنقيتها ونصرتها :
مما ابتلى اللّه به بعضهم أن عمد الى كتب السنة فقسمها الى صحيح وضعيف , بل وجمع الصحيح – على زعمه وهواه – فى كتاب , وقرن بين الضعيف والموضوع فى آخر !! , فالام يرمى ؟! هل هى الشهرة وكثرة المؤلفات مما يدر الأموال الوفيرة ؟ أم أن هناك قصدا خفيا لترك كثير من الأحاديث ؟! استرضاء لشهوة معينة أو ارضاء لمن بيدهم المنع والعطاء , ونشر بعض المذاهب والأهواء التى تغلف السياسة بالدين المفترى عليه ؟!.


10) قاعدة أصولية فى الترك :
ومما عمت به البلوى أن يقول أحدهم : هذا حرام لأن النبىّ – صلى اللّه عليه وسلم – تركه , مع أن اللّه تعالى قال : } وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا { , ولم يقل : وما تركه ؛ فترك النبى – صلى اللّه عليه وسلم – لشيء لا يعنى حرمته , والأصل فى الأشياء الاباحة , الاّ ما ورد فيه نص أو دليل شرعى .

11) خاتمة الى شبابنا المثقف :
ان خير ما نتوجه به اليوم الى مثقفى هذه الأمة وعقلائها : أن وجهوا عنايتكم لكتب السنة أخذا على الشيوخ العاملين, وكونوا عونا للعمل بها, ولا تكون من أعدائهم , وشر الأعداء عدو فى صورة صديق , وان من كتب السنة ما الشباب أحوج اليه من الماء الزلال فى شدة القيظ ؛ فعليكم ( برياض الصالحين ) للنووى, و (الترغيب والترهيب) للمنذرى و(سبل السلام ) للصنعانى , و(نيل الأوطار ) للشوكانى , ولا يفوتنكم
( الشمائل المحمدية ) للترمذى , و (سفر السعادة ) للفيروز آبادى , ففيما ذكرنا خير كثير , وبداية طيبة للشباب المسلم , نحو ثقافة اسلامية صحيحة , غير محرّفة , ولا منحرفة .

"وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"


وكتبه تلميذ المؤلف :
محي الدين حسين يوسف