التّعريف
1 - ليلة القدر تتركّب من لفظين : أوّلهما : ليلة وهي في اللغة : من غروب الشّمس إلى طلوع الفجر , ويقابلها النّهار .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي له عن المعنى اللغويّ .
وثانيهما : القدر , ومن معاني القدر في اللغة : الشّرف والوقار , ومن معانيه : الحكم والقضاء والتّضييق .
واختلف الفقهاء في المراد من القدر الّذي أضيفت إليه اللّيلة فقيل : المراد به التّعظيم والتّشريف , ومنه قوله تعالى : « وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ » , والمعنى : أنّها ليلة ذات قدرٍ وشرفٍ لنزول القرآن فيها , ولما يقع فيها من تنزل الملائكة , أو لما ينزل فيها من البركة والرّحمة والمغفرة , أو أنّ الّذي يحييها يصير ذا قدرٍ وشرفٍ .
وقيل : معنى القدر هنا التّضييق كمثل قوله تعالى : « وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ » ومعنى التّضييق فيها إخفاؤُها عن العلم بتعيينها , أو لأنّ الأرض تضيق فيها عن الملائكة , وقيل : القدر هنا بمعنى القدَر - بفتح الدّال - وهو مؤاخي القضاء : أي بمعنى الحكم والفصل والقضاء , قال العلماء : سمّيت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأرزاق والآجال وغير ذلك ممّا سيقع في هذه السّنة بأمر من اللّه سبحانه لهم بذلك , وذلك ما يدل عليه قول اللّه تعالى : « إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ » , حيث ذهب جمهور العلماء إلى أنّ اللّيلة المباركة الواردة في هذه الآية هي ليلة القدر , وليست ليلة النّصف من شعبان كما ذهب إليه بعض المفسّرين .
قال ابن قدامة : ليلة القدر هي ليلة شريفة مباركة معظّمة مفضّلة ثمّ قال : وقيل : إنّما سمّيت ليلة القدر لأنّه يقدّر فيها ما يكون في تلك السّنة من خيرٍ ومصيبةٍ , ورزقٍ وبركةٍ .
«الأحكام المتعلّقة بليلة القدر - فضل ليلة القدر»
2 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ليلة القدر أفضل اللّيالي , وأنّ العمل الصّالح فيها خير من العمل الصّالح في ألف شهرٍ ليس فيها ليلة القدر , قال تعالى : « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ » , وأنّها اللّيلة المباركة الّتي يفرق فيها كل أمرٍ حكيمٍ , والّتي ورد ذكرها في قوله تعالى : « إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » .
وورد في فضلها أيضاً بالإضافة إلى ما سبق قول اللّه تعالى : « تَنَزَّلُ الْمَََلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ » , قال القرطبي : أي تهبط من كلّ سماءٍ ومن سدرة المنتهى فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء النّاس إلى وقت طلوع الفجر , وتنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالرّحمة بأمر اللّه تعالى وبكلّ أمرٍ قدّره اللّه وقضاه في تلك السّنة إلى قابلٍ .
وفي فضل ليلة القدر أيضاً قال اللّه تعالى : « سَََلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ » أي أنّ ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شرّ فيها إلى طلوع الفجر , قال الضّحّاك : لا يقدّر اللّه في تلك اللّيلة إلا السّلامة وفي سائر اللّيالي يقضي بالبلايا والسّلامة , وقال مجاهد : هي ليلة سالمة لا يستطيع الشّيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا أذىً .
«إحياء ليلة القدر»
3 - اتّفق الفقهاء على أنّه يندب إحياء ليلة القدر لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو سعيدٍ الخدري رضي الله تعالى عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جاور في العشر الأواخر من رمضان » , ولما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كان إذا دخل العشر أحيا اللّيل وأيقظ أهله وشدّ المئزر » , والقصد منه إحياء ليلة القدر ولقوله صلى الله عليه وسلم : « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه » .
ويكون إحياء ليلة القدر بالصّلاة وقراءة القرآن والذّكر والدعاء , وغير ذلك من الأعمال الصّالحة , وأن يكثر من دعاء : اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنّي , لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : « قلت : يا رسول اللّه أرأيت إن علمت أيّ ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي اللّهمّ إنّك عفوٌّ كريم تحب العفو فاعف عنّي » , قال ابن علان : بعد ذكر هذا الحديث : فيه إيماء إلى أنّ أهمّ المطالب انفكاك الإنسان من تبعات الذنوب وطهارته من دنس العيوب , فإنّ بالطّهارة من ذلك يتأهّل للانتظام في سلك حزب اللّه وحزب اللّه هم المفلحون .
«اختصاص الأمّة المحمّديّة بليلة القدر»
4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ليلة القدر خاصّة بالأمّة المحمّديّة ولم تكن في الأمم السّابقة , واستدلوا بما روي عن مالك بن أنسٍ : أنّه سمع من يثق به من أهل العلم يقول : « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أري أعمار النّاس قبله ، أو ما شاء اللّه من ذلك ، فكأنّه تقاصر أعمار أمّته أن لا يبلغوا من العمل مثل الّذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه اللّه ليلة القدر خير من ألف شهرٍ » .
وبما روي : « أنّ رجلاً من بني إسرائيل لبس السّلاح في سبيل اللّه تعالى ألف شهرٍ فعجب المسلمون من ذلك فأنزل اللّه عزّ وجلّ " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" .
وذهب بعضهم إلى أنّ ليلة القدر كانت في الأمم السّابقة واحتجوا بحديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه وفيه : « قلت يا رسول اللّه أخبرني عن ليلة القدر أفي كلّ رمضان هي ؟ قال : نعم ، قلت أفتكون مع الأنبياء فإذا رفعوا رفعت أو إلى يوم القيامة ؟ قال : بل هي إلى يوم القيامة » .
«بقاء ليلة القدر»
5 - اختلف العلماء في بقاء ليلة القدر : فذهب الجمهور إلى أنّ ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة لحديث أبي ذرٍّ في المسألة السّابقة وللأحاديث الكثيرة الّتي تحث المسلم على طلبها والاجتهاد في إدراكها , ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه » , وقوله صلى الله عليه وسلم : « تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان » .
وذهب بعض العلماء إلى أنّ ليلة القدر رفعت أصلاً ورأساً , قال ابن حجرٍ : حكاه المتولّي في التّتمّة عن الرّوافض والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفيّة وكأنّه خطأ , والّذي حكاه السروجي أنّه قول الشّيعة .
وقد روى عبد الرّزّاق عن عبد اللّه بن يحنس قلت لأبي هريرة رضي الله عنه : زعموا أنّ ليلة القدر رفعت ، قال : كذب من قال ذلك , وعن عبد اللّه بن شريكٍ قال : ذكر الحجّاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها فأراد زر بن حبيشٍ أن يحصبه فمنعه قومه .
«محل ليلة القدر»
6 - اختلف الفقهاء في محلّ ليلة القدر : فذهب جمهورهم وهو المذهب عند الحنفيّة إلى أنّ محلّ ليلة القدر في رمضان دائرة معه , لأنّ اللّه سبحانه وتعالى أخبر أنّه أنزل القرآن في ليلة القدر بقوله : « إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ » .
وأخبرنا كذلك أنّه أنزل القرآن في شهر رمضان بقوله تعالى : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ » , الآية , ممّا يدل على أنّ ليلة القدر منحصرة في شهر رمضان دون سائر ليالي السّنة الأخرى .
كما استدلوا بالأحاديث الصّحيحة والّتي سبق نقلها وهي تدل على أنّ محلّ ليلة القدر في شهر رمضان .
وذهب بعض العلماء ومنهم عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه وأبو حنيفة في المشهور عنه إلى أنّ محلّ ليلة القدر في جميع السّنة تدور فيها , قد تكون في رمضان وقد تكون في غير رمضان فقد روي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه كان يقول : « من يقم الحول يصب ليلة القدر » مشيراً إلى أنّها في السّنة كلّها , ولمّا بلغ قوله هذا إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال : يرحم اللّه أبا عبد الرّحمن أما إنّه علم أنّها في العشر الأواخر من شهر رمضان ولكنّه أراد ألا يتّكل النّاس .
7 - واختلف جمهور الفقهاء الّذين ذهبوا إلى أنّ ليلة القدر في شهر رمضان في محلّها من الشّهر وذلك بعدما قالوا : يستحب طلب ليلة القدر في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكد , وليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان آكد , للأحاديث السّابقة .
وفيما يلي أقوال العلماء في محلّها :
القول الأوّل : الصّحيح المشهور لدى جمهور الفقهاء , وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة , والأوزاعي وأبو ثورٍ : أنّها في العشر الأواخر من رمضان لكثرة الأحاديث الّتي وردت في التماسها في العشر الأواخر من رمضان , وتؤكّد أنّها في الأوتار ومنحصرة فيها . والأشهر والأظهر عند المالكيّة أنّها ليلة السّابع والعشرين . وبهذا يقول الحنابلة , فقد صرّح البهوتي بأنّ أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصاً .
القول الثّاني : قال ابن عابدين : ليلة القدر دائرة مع رمضان , بمعنى أنّها توجد كلّما وجد , فهي مختصّة به عند الإمام وصاحبيه , لكنّها عندهما في ليلةٍ معيّنةٍ منه , وعنده لا تتعيّن .
وقال الطّحطاوي : ذهب الأكثر إلى أنّ ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين , وهو قول ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من الصّحابة رضي الله عنهم , ونسبه العيني في شرح البخاريّ إلى الصّاحبين .
القول الثّالث : قال النّووي : مذهب الشّافعيّة وجمهور أصحابنا أنّها منحصرة في العشر الأواخر من رمضان مبهمة علينا , ولكنّها في ليلةٍ معيّنةٍ في نفس الأمر لا تنتقل عنها ولا تزال من تلك اللّيلة إلى يوم القيامة , وكل ليالي العشر الأواخر محتملة لها , لكن ليالي الوتر أرجاها , وأرجى الوتر عند الشّافعيّ ليلة الحادي والعشرين , وقال الشّافعي في موضعٍ إلى ثلاثةٍ وعشرين , وقال البندنيجي : مذهب الشّافعيّ أنّ أرجاها ليلة إحدى وعشرين , وقال في القديم : ليلة إحدى وعشرين أو ثلاثٍ وعشرين فهما أرجى لياليها عنده , وبعدهما ليلة سبعٍ وعشرين . هذا هو المشهور في المذهب أنّها منحصرة في العشر الأواخر من رمضان . وقال الشّربيني الخطيب : .. وقال ابن عبّاسٍ وأبيّ رضي الله عنهم : هي ليلة سبعٍ وعشرين وهو مذهب أكثر أهل العلم .
القول الرّابع : أنّها أوّل ليلةٍ من رمضان , وهو قول أبي رزينٍ العقيليّ الصّحابيّ لقول أنسٍ رضي الله عنه : ليلة القدر أوّل ليلةٍ من رمضان , نقلها عنهما ابن حجرٍ .
القول الخامس : أنّها ليلة سبع عشرة من رمضان , روى ابن أبي شيبة والطّبراني من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ما أشك ولا أمتري أنّها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن , وروي ذلك عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه بحجّة أنّها هي اللّيلة الّتي كانت في صبيحتها وقعة بدرٍ ونزل فيها القرآن لقوله تعالى : « وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ » , وهو ما يتوافق تماماً مع قوله تعالى في ليلة القدر : « إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » .
القول السّادس : أنّها مبهمة في العشر الأوسط , حكاه النّووي وقال به بعض الشّافعيّة وهو قول للمالكيّة وعزاه الطّبريّ إلى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه والحسن البصريّ . القول السّابع : أنّها ليلة تسع عشرة , قال ابن حجرٍ : رواه عبد الرّزّاق عن عليٍّ رضي الله عنه وعزاه الطّبريّ لزيد بن ثابتٍ وابن مسعودٍ رضي الله عنهما ووصله الطّحاوي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه .
القول الثّامن : أنّها متنقّلة في ليالي العشر الأواخر تنتقل في بعض السّنين إلى ليلةٍ وفي بعضها إلى غيرها , وذلك جمعاً بين الأحاديث الّتي وردت في تحديدها في ليالٍ مختلفةٍ من شهر رمضان عامّةً ومن العشر الأواخر خاصّةً , لأنّه لا طريق إلى الجمع بين تلك الأحاديث إلا بالقول بأنّها متنقّلة , وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل , فعلى هذا كانت في السّنة الّتي رأى أبو سعيدٍ رضي الله عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطّين ليلة إحدى وعشرين , وفي السّنة الّتي أمر عبد اللّه ابن أنيسٍ بأن ينزل من البادية ليصلّي في المسجد ليلة ثلاثٍ وعشرين , وفي السّنة الّتي رأى أبي بن كعبٍ رضي الله عنه علامتها ليلة سبعٍ وعشرين , وقد ترى علامتها في غير هذه اللّيالي , وهذا قول مالكٍ وأحمد والثّوريّ وإسحاق وأبي ثورٍ وأبي قلابة والمزنيّ وصاحبه أبي بكرٍ محمّد ابن إسحاق بن خزيمة والماورديّ وابن حجرٍ العسقلانيّ من الشّافعيّة , وقال النّووي : وهذا هو الظّاهر المختار , لتعارض الأحاديث الصّحيحة في ذلك ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها , وقيل : إنّ ليلة القدر متنقّلة في شهر رمضان كلّه .
قال بعض أهل العلم : أبهم اللّه تعالى هذه اللّيلة على الأمّة ليجتهدوا في طلبها , ويجدوا في العبادة طمعاً في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كلّه , وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء , ورضاه في الطّاعات ليجتهدوا في جميعها , وأخفى الأجل وقيام السّاعة ليجدّ النّاس في العمل حذراً منهما .
«ما يشترط لنيل فضل ليلة القدر»
8 - نصّ فقهاء المالكيّة والشّافعيّة على مسألة اشتراط العلم بليلة القدر لنيل فضلها أو عدم اشتراطه واختلفوا في ذلك : فذهب بعض المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا ينال فضل ليلة القدر إلا من أطلعه اللّه عليها , فلو قام إنسان ولم يشعر بها لم ينل فضلها .
وقال آخرون من فقهاء المذهبين : إنّه لا يشترط لنيل فضل ليلة القدر العلم بها , ويستحب التّعبد في كلّ ليالي العشر الأواخر من رمضان حتّى يحوز الفضيلة على اليقين .
ورجّح فقهاء المذهبين الرّأي الثّاني وقالوا : ومع ذلك فإنّ حال من اطّلع على ليلة القدر أكمل وأتم في الفضل إذا قام بوظائفها .
«علامات ليلة القدر»
9 - قال العلماء : لليلة القدر علامات يراها من شاء اللّه من عباده في كلّ سنةٍ من رمضان , لأنّ الأحاديث وأخبار الصّالحين ورواياتهم تظاهرت عليها : فمنها ما ورد من حديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه مرفوعاً : « إنّها صافية بلجة كأنّ فيها قمراً ساطعاً ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حرّ ولا يحل لكوكب أن يُرمى به فيها حتّى تصبح وأنّ من أمارتها أنّ الشّمس صبيحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشّيطان أن يخرج معها يومئذٍ » .
وعن أبي بن كعبٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ الشّمس تطلع يومئذٍ لا شعاع لها » .
ومنها ما ورد من قول ابن مسعودٍ رضي الله عنه : أنّ الشّمس تطلع كلّ يومٍ بين قرني شيطانٍ إلا صبيحة ليلة القدر .
«كتمان ليلة القدر»
10 - اتّفق العلماء على أنّه يستحب لمن رأى ليلة القدر أن يكتمها .
والحكمة في كتمانها كما ذكرها ابن حجرٍ نقلاً عن الحاوي أنّها كرامة والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلافٍ بين أهل الطّريق من جهة رؤية النّفس , فلا يأمن السّلب , ومن جهةٍ أن لا يأمن الرّياء , ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر للّه بالنّظر إليها وذكرها للنّاس , ومن جهةٍ أنّه لا يأمن الحسد فيوقع غيره في المحذور .
قال ابن حجرٍ العسقلاني : ويستأنس له بقول يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لابنه يوسف عليه السلام : « يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ » .